رغم أن المادة 29 من الدستور تلزم الدولة بشراء المحاصيل الزراعية الرئيسية كالقمح بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح، إلا أنه حدث ارتباك مقصود في عملية توريد القمح هذا العام، وتري هذا واضحا إذا مررت بالطرق الزراعية في الدلتا، حيث عربات نقل كبيرة وصغيرة محملة بأجولة القمح، تقف صفا في عذاب متصل من 24 إلى 72 ساعة أمام “الشوَن” والموازين.
وتمت زراعة حوالي 2.8 فدان تقريبا اقتربت من إنتاج حوالي 4.8 مليون طن هذا العام، الأمر الذي يحقق حوالي 45 % مما نستهلكه من القمح، وفرص عمل قاربت 9 مليون فلاح وعامل زراعي، بالإضافة لتقليل الفجوة الاستيرادية، وخفض الديون، مما يجعلنا نشك في مصداقية القرارات العشوائية التي أربكت عملية توريد القمح.
وقرر وزير التموين توريد القمح المستورد علي أنه منتج محلي، حيث يقل سعر القمح المستورد عن المحلي بحوالي 1100 جنيه مما يوفر للميزانية حوالي 1.9 مليار جنيه، مما يؤكد الشك في تعمد إرباك عملية توريد القمح، لتصبح فاشلة ويحل محلها الاستيراد، هذا بالإضافة لتخزين القمح في العراء في شون بلا سقف، فيسقط المطر ويصاب بالعفن، وبالتالي يصبح المخزون القمحي غير صالح للاستهلاك الآدمي أو الحيواني، ليصبح الاستيراد أمرًا واقعًا.
ذكرتني تلك السياسة قصيرة النظر بمشروع إنتاج القمح التي أطلعتني مع كثيرين الدكتورة زينب الديب عليه، وذلك قبل اختفائها في أواخر التسعينات أيام يوسف والي، حيث قالت إن الأبحاث كشفت تقاوي قمح ينتج منها الفدان 30 أردب وكان متوسط الإنتاج وقتها 16 أردب للفدان، فاتهموها بالجنون، لتمر الأيام ويثبت صدق زينب الديب.
ليتضح بعد ذلك أنه تم تجاهل أبحاث “الديب” عن عمد، رغبة في استمرار سياسة الاستيراد، متغافلين عن حقوق الفلاح، وفرص العمل، وتقليل الديون، وتطور الأبحاث.
سياسات قصيرة النظر، لا تضع وزنا للأمن الغذائي وهجرة الفلاح للأرض والبطالة والغرق في الديون، حري بنا أن ننتج غذائنا من أراضينا وبسواعد فلاحينا.