دعانا الصديق عبد الرحمن بسيسو لعشاء حضره الاديب الفلسطينى الكبير اميل حبيبى وكانت أول مره نلتقى، قرابة منتصف الثمانينات وفى السهرة نظر إلى اميل فجأة، عاتبا وسالنى بدون مناسبة أنت فاكر نفسك بتكره إسرائيل أكثر منى؟؟ ! وواضح أنه لاحظ أننى لا ابادله حديثا ولا أظهر مشاعر الود مع أنه كان موضع حفاوة من الجميع وانه توقع السبب .. وبالفعل كنت متحفظ جدا بسبب جنسيته الإسرائيلية ولان صحيفة البلاد التى ترأس تحريرها كانت تستخدم لغة حدث فى البلاد للإشارة إلى إحداث تقع فى المدن الفلسطينية المحتلة عام ٤٨ وأخذت أنا الموضوع على أنه يتجنب ذكر اسم فلسطين ولم انتبه إلى أنه يتجنب ذكر اسم اسرائيل .. ولم ينتظر حبيبى تفسيرا واستطرد : لو تركنا الأرض وهجرنا بالقوة والعنف والطرد تقولون باعوا الأرض ولو بقينا وتشبثنا بها وقبلنا ذل الجنسية الاسرائلية للدفاع عن بيوتنا فى فلسطين وأرضنا وهويتنا وحصص عربى إضافية فى المدارس ولكى نقول شعرا ونكتب قصصا نعلمها لأولادنا بالعربية تقولون تجنسوا بالجنسية الاسرائلية وخانوا الهوية والوطن !!
والحقيقة أن حديث الاديب الكبير أدهشنى وأربكنى وبدأت أعيد النظر فى حكاية عرب ٤٨ أو الفلسطنيين فى إسرائيل وتطورت بعدها العلاقة ولم أعد أشعر بحساسية وانا اتعامل معه كفلسطينى عربى تقدمى أصيل انتماؤه الاول والاخير لفلسطين .. وحدث بعدها أن التقيت فى المنتدى الاجتماعى المغربى بسيدة فلسطينية مع فلسطنين آخرين يحملون الجنسية الاسرائلية وكانت أسمع من هذه السيدة عن فلسطين وشعبها وإسرائيل وعنصريتها حديثا لم اسمعه من أشد المعادين للصهيونية وأكثر الناس كرها لإسرائيل والأكثر من هذا أنها كانت رمزا للكبرياء والأصالة والشموخ وفرت الدموع غزيرة من عيونها لحظة الوداع لأنها تفارق صحبة عربية من كل الأوطان وكانت هذه السيدة العظيمة تعمل قبلها مديرة لمكتب الشاعر الفلسطينى الكبير توفيق زياد ، رئيس بلدية الناصرة المنتخب وكل أشعاره تفيض حبا لفلسطين وهى من أمهات اشعار المقاومة ، مثل اشعار سميح القاسم ومحمود درويش الذى صرخ سجل انا عربي .. وكتب حاصر حصارك .. سقطت ذراعك فالتقطها واضرب عدوك .. وسقطت قربك فالتقطنى واضرب عدوك بى ..فأنت الآن حر .. وكل هؤلاء الشعراء اضطروا للجنسية اللعينة عدا محمود درويش ولكنهم قاتلوا من أجل فلسطين كأعظم المقاتلين .. وكانوا بحق حراس الثقافة والهوية والحضارة وحراس فلسطين .
تذكرت كل هذه الذكريات وانا اتابع انتفاضة الفلسطينين فى مدن ما يسمى بالخط الاخضر المحتلة فى عدوان ٤٨ فى واحدة من أعظم ملامح الانتفاضة ونضالهم البطولى الشجاع ضد عدوان المستوطنين وجيش وشرطة الاحتلال وتدفقهم المهيب من مختلف المدن إلى القدس ، وإستكمال الطريق سيراً على الاقدام حين قطعت شرطة الاحتلال طريق السيارات .. تذكرتها وأنا اتابع انتفاضة اللد وام الفحم والناصرة وغيرها من المدن الفلسطينية العظيمة تحت الاحتلال، الذين فقدوا أغلبيتهم السكانية بفعل الطرد والتهجير والاستيطان ومع هذا تصفهم الأدبيات والاستراتيجيات الصهيونية بالقنبلة السكانية.
ومن أجل التخلص منهم طرحوا مشروع الدولة اليهودية النقية ، والتطهير العرقى العنصرى .. والحقيقة أن مشاهد التدفقات الفلسطنية للقدس ومعارك الشوارع فى المدن ” الاسرائلية،” تزيل هى الأخرى التشوه أو التشويه الذى أصاب صفة الفلسطينين أو عرب ٤٨ ، ما أعظمهم وما أعظم مثابرتهم وكفاحهم من أجل فلسطين .. وهل يمكن أن ينهزم مثل هذا الشعب الشامخ العنيد .. المجد لهم وللمقاومة ولكل فلسطين.
مدحت الزاهد