الدكتور عبدالهادي محمد عبدالهادي يكتب :
موعد على القمر
فى ساعة مبكرة من صباح اليوم الجمعة الموافق22 فبراير 2019 إنطلق من قاعدة “كيب كانيفيرال” بولاية فلوريدا الأمريكية صاروخ غير مأهول يحمل مركبة فضاء إسرائيلية تسمى “بيرزيت” فى أول رحلة إسرائيلية تستهدف الوصول إلى القمر بالتعاون مع القطاع الخاص. وانطلقت المركبة التى تبلغ كتلتها 585 كيلوجراما فوق صاروخ من طراز “فالكون-9 ” الذى تنتجه شركة “سبيس إكس” الخاصة والتى تتخذ من الولايات المتحدة الأمريكية مقرا لها ويملكها رجل الأعمال الأمريكى “إيلون ماسك”.
يبلغ طول الرحلة إلى القمر حوالى 384000 كيلومترا، وحتى الآن لم تحط على سطح القمر سوى مركبات فضائية تنتمى إلى ثلاث دول فقط، هى روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والصين، وفى حال نجاح الرحلة الإسرائيلية- وأظنها ستنجح- ستصبح إسرائيل رابع دولة تتمكن من الوصول إلى القمر ورفع علمها هناك. تابع “بنيامين نتنياهو” رئيس الوزراء الإسرائيلى انطلاق الرحلة مع عدد من المهندسين فى غرفة التحكم بمجمع صناعات الطيران الإسرائيلية، ونقل عنه قوله ” إنها لحظة للشعور بالفخر” وقال : نحن عمالقة لأنه على الرغم من أننا مع الصين وروسيا والولايات المتحدة لا نمثل أكثر من ثلث سكان العالم إلا أن مساهمتنا كبيرة بغض النظر عن صغر حجمنا”. وقال نتنياهو “إنها خطوة كبيرة لإسرئيل لكنها خطوة أكبر وإنجاز عظيم للتكنولوجيا الإسرائيلية”.
وضعت المركبة فى مدارها الأرضى حيث ستستخدم محركها الخاص -البريطانى الصنع- فى القيام بالرحلة التى تستغرق سبعة أسابيع لتصل إلى موقعها المقرر على سطح القمر يوم 11 أبريل 2018م، ويحمل الصاروخ، بالإضافة إلى المركبة الإسرائيلية، قمرا صناعيا إندونيسيا، وأقمارا أخرى تابعة لمختبر القوات الجوية الأمريكية.
وتأتى المهة الإسرائيلية فى سياق تجديد الاهتمام بالقمر، والذى يطلق عليه أحيانا اسم “القارة الثامنة” للأرض، وبعد نصف قرن من وصول رواد فضاء امريكيين إلى القمر وسيرهم عليه لأول مرة، وكانت مركبة الفضاء الصينية “تشاينا تشينج-4” قد حققت هبوطا سلسا على الجانب البعيد للقمر لأول مرة فى يوم 3 يناير الماضى بعد فشلها فى الهبوط فى الموقع الذى كان مقررا لها فى مهمتها الأولى عام 2013م.
وقالت “سبيسيل” وهى منظمة غير ربحية صممت المركبة الإسرائيلية فى تغريدة على موقعها على منصة “تويتر”: “هذا هو التاريخ يصنع الآن ويبث مباشرة، إسرائيل تستهدف القمر، وأنتم جميعا مدعوون للمشاهدة”.
إن مجرد هبوط المركبة بنجاح على سطح القمر هو المهمة الرئيسية بالنسبة لإسرائيل، وربما يستخدمها بنيامين نتنياهو فى تعزيز نفوذه السياسى فى الأنتخابات المقبلة، لكن المهمة ليست دعائية ولا تافهة، حيث تحمل المركبة أجهزة علمية لقياس المجال المغناطيسي للقمر، مما قد يساعد على فهم أفضل لتكوين القمر وخواصه. وتحمل المركبة “كبسولة زمنية” تم تحميلها بملفات رقمية تتضمن الكتاب المقدس، لوحات رسمها الأطفال، وأغنيات إسرائيلية، وشهادات لبعض الناجين من الهولوكوست، والعلم الإسرائيلى بلونيه الأزرق والأبيض.
تكلف تصميم المركبة 100 مليون دولار، وهى أدنى تكلفة على الإطلاق للقيام بمثل هذه المهمة، فقد أنفقت الدول الثلاث- الولايات المتحدة وروسيا والصين- مئات الملايين من الدولارات من الموازنة الحكومية للقيام بهكذا مهمات، بينما مركبة “بيرزيت” تمثل نموذجا مختلفا فهى أول مهمة يتم تنفيذها بمبادرة خاصة ليست حكومية. وكان رجل الأعمال “موريس كاهن” هو الممول الرئيسى للمهمة قد صرح للصحفيين يوم الخميس الماضى قائلا: “دعونا نشعر بالفخر.”
تأمل الهند فى أن تصبح خامس دولة تصل إلى القمر، وتخطط لمهمتها “تشاندرايان-2 ” والتى يتوقع لها التنفيذ خلال اسابيع، حيث ستضع مركبة فضائية لجمع البيانات على سطح القمر فى الربيع القادم، وتخطط اليابان لأن تصبح سادس دولة تصل إلى القمر حيث تسعى لإرسال مركبة صغيرة لدراسة المناطق البركانية على القمر فى الفترة بين 2020-2021. وطبقا لتوجيهات الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب” فى 2017 تمثل العودة إلى القمر سياسة رسمية لوكالة الفضاء الأمريكية، وفى الأسبوع الماضى قال “جيم بريدينشتين” مدير وكالة ناسا “عندما نذهب إلى القمر هذه المرة سنذهب لنبقى”، لكن الوكالة ترغب فى تغيير طريقة تصميم المهمات، وتخطط لبناء محطة فضائية صغيرة فى مدار القمر بحلول 2026 يمكن استخدامها فى إطلاق رحلات مأهولة إلى المريخ فى العقد التالى.
ستحط المركبة الفضائية الإسرائيلية على سطح القمر فى 11 أبريل القادم، بينما لا تزال شعوبنا العربية تعيش فى الماضى وتناقش ما إذا كانت الأرض كروية أم مسطحة وتشكك فى دورانها. إنها تدور، وهل هناك دليل على دورانها أقوى من هذا الدوار الذى أصابنا منذ قرون!