تحل علينا اليوم الذكري الثانية لرحيل المفكر الاقتصادي الاشتراكي الدكتور سمير أمين أحد أهم علماء الاقتصاد في العقود الأخيرة من القرن العشرين والعقود الأولي من القرن الحادي والعشرين.
جيلنا محظوظ لأننا في منتصف السبعينات قرأنا ” التطور اللامتكافئ ” و ” التراكم علي الصعيد العالمي” وكانت كتابات الدكتور سمير أمين هي مدخلنا للتعرف علي مدرسة التبعية وكتابها وأرائها في مرحلة ما بعد الإمبريالية.واتذكر ذات ليلة كنا نسهر في منزل اصدقائي الأعزاء محمد نور الدين والدكتور سلوي العنتري وبحضور أخونا الغالي الدكتور مصطفي عطية . وبدأ الحوار حول كتابات سمير أمين وباعتبار مصطفي مقيم في فرنسا منذ سنوات وعلي معرفة بسمير امين الذي أشرف بعد ذلك علي رسالة الدكتورة سلوي العنتري . سألت الدكتور مصطفي عطية عن مصطلح أستوقفني في كتاب التطور اللامتكافئ وهو ” تمفصل الأصعدة ” والكتاب كان من ترجمة الدكتور برهان غليون.وانفجرنا في الضحك وانا اشرح لهم معاناتي لمعرفة المقصود وهنا أوضح الدكتور مصطفي ببساطة انها الترجمة الشامية لما نسميه في مصر العلاقة بين البنيان الاقتصادي والبنيان السياسي أو علاقة البنيان الفوقي بالبنيان التحتي وهي علاقة ترابط مفصلي تام لذلك ترجمها الدكتور غليون تمفصل الاصعدة اي علاقة الصعيد الاقتصادي بالصعيد السياسي.
منذ تخرجي من الجامعة اشتركت في عضوية الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع والاحصاء والتي كان يرأس مجلس إدارتها الاستاذ الدكتور محمد زكي شافعي والتي كانت منذ منتصف السبعينات تنظم مؤتمر اقتصادي سنوي يشارك فيه العمالقة الكبار الدكتور فؤاد مرسي والدكتور اسماعيل صبري عبدالله والدكتور إبراهيم سعد الدين ومن الجيل التالي الدكتور ابراهيم العيسوي والدكتور جودة عبدالخالق والدكتور جلال أمين والدكتور سعد حافظ والدكتور شنودة سمعان وآخرين.وكان المؤتمر العلمي السنوي للجمعية ملتقي علمي يبحث كل مشاكل الاقتصادي المصري والحلول المقترحة للخروج من الأزمة من وجهة نظر الرأسمالية ومن وجهة نظر الاقتصاديين الاشتراكيين.وفي أحد المؤتمرات شارك الدكتور سمير أمين بورقة وعندما عرضها أوضح انها أول ورقة يكتبها باللغة العربية منذ أكثر من ثلاثين سنة فقد كان منذ سفره لفرنسا يكتب باللغة الفرنسية ثم تتم الترجمة للعربية . ولعل مشاركته في مؤتمر الاقتصاديين المصريين كانت فرصة لزياراته المنتظمة بعد ذلك لمصر ثم لكتاباته باللغة العربية وحضوره الطاغي وهو رئيس جامعة الأمم المتحدة في داكار ومنتدي العالم الثالث ثم أصبح رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية أحد أهم قلاع البحث العلمي في مصر وأكاديمية الدراسات الأفريقية التي كان سمير أمين مولع بها.
ولأنني من المحظوظين فقد حظيت بمقابلات عديدة مع الدكتور سمير في مركز البحوث العربية ثم في منزل صديقنا المهندس ممدوح حبشي. وانبهرت بعلم وثقافة وحضور الدكتور سمير الطاغي وكيف يصغي لكل المتحدثين ويسأل ويناقش ويثير الأسئلة والتساؤلات التي تدفع الحضور للمزيد من البحث وقد اختلفت معه واخرين حول التجربة الصينية وحول أوضاع الفلاحين الأمر الذي دفعه لكتابة عدة مقالات نشرت في كتاب عن نمط الانتاج الفلاحي ونمط الانتاج الرأسمالي وأزمة الريف والفلاحين. واتذكر انه في عيد ميلاده الثمانين نظمت رحلة نيلية شارك فيها الدكتور سمير وعدد من الاصدقاء وعدد من العلماء من مختلف قارات العالم المهتمين والمحبين لفكر سمير أمين وثارت مناقشة فكرية اقتصادية هامة كان المفترض ان تترجم وتنشر في كتاب .
وكان الدكتور سمير مهموم باوضاع العالم الثالث وفي السنوات الأخيرة حافظ علي زيارات منتظمة لمصر وشارك في تأسيس الحزب الاشتراكي المصري ثم الانتقال لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي وحضر المؤتمر العام الثاني للحزب وقدم ورقة هامة للمؤتمر وتم انتخابه والاستاذ حلمي شعراوي مستشارين للحزب.
الدكتور سمير له أكثر من اربعين مؤلف باللغة العربية غير المؤلفات الموجودة باللغة الفرنسية والتي لم تترجم للعربية وعشرات البحوث واوراق العمل .وفي باريس توجد مجموعة اقتصادية لاصدقاء سمير أمين والمهتمين بتراثه الفكري وحفظه وتداوله وتطويره . ولازلنا في مصر نفتقد لوجود مثل هذه المجموعة التي اتمني ان يسارع حزب التحالف الشعبي الاشتراكي ومركز البحوث العربية والافريقية بتأسيسها لحفظ تراثه الفكري ونقله للإجيال الجديدة .
خلال السنوات الأخيرة اهتم الدكتور سمير ببناء أممية العمال والشعوب وجاب قارات العالم من اجل بلورة الفكرة التي اتمني ان تري النور قريباً.
إن سمير أمين وعطائه الفكري واسهاماته العلمية والسياسية تركة ثمينة يجب ان نحافظ عليها وننقلها للأجيال الجديدة التي لم تعرفه او تلتقي به ولكن تستفيد من كتاباته وتواصل تطوير أفكاره.
في الذكري الثانية لرحيل الدكتور سمير امين ننتهز الفرصة لدعوة كل محبي سمير أمين وافكاره وتوجهاته لتأسيس منتدي محبي سمير أمين في مصر إضافة إلي استكمال مهمة تأسيس أممية العمال والشعوب.لقد غاب عنا سمير أمين بجسده لكن أفكاره واضافاته الفكرية ستبقي معانا وتتناقلها الاجيال.
إلهامي الميرغني
12/8/2020