الحقيقة أن مقاعد زملائنا سجناء الرأى ليست شاغرة على موائد الافطار فقط، بل أيضا على موائد الاجتماعات وعلى مكاتب القراءة والكتابة ، ومواقعهم شاغرة فى الصف الاول للوطنية المصرية بعد أن غيبتهم السجون .
وطبعا الافطار فى رمضان بالذات له طقوس خاصة فهى الوجبة التى تجمع كل أفراد الاسرة وكل مصر لتأكل فى وقت واحد معا فى بهجة ومودة بعد الصيام .. هى الساعة التى لا يخلف فيها أحد الميعاد، حتى معظم الاسر المسيحية تفطر معنا فى نفس الوقت لان مصر ، كما عبر مكرم عبيد وبعده البابا شنودة ليست وطنا نعيش فيه، بل وطن يعيش فينا ، فنرهف جميعا الاذان فى انتظار (مدفع الافطار إضرب) وننتظر الاذان. وعلى موائد رمضان بالذات تشعر الاسر بالفقد وغياب أى عضو فيها أن تخلف عن مائدة الافطار .
وبالفعل ظلت مقاعد شاغرة لسنوات ومر رمضان ورمضان ورمضان والامهات والزوجات صناع البهجة واللاتى يتحملن العبء الاكبر فى جمع الشمل على مائدة شهية مشغولات بالدعاء لمن غيبتهم السجون والقلق عليهم واعداد وجبات الافطار لاقرب زيارة والشعور بمرارة الطعام وبرود المناسبة بسبب ما تعانيه من فقد مع تغييب قطعة منها خلف القضبان.
ولعلنا نذكر د. ليلى سويف ومنى وسناء ومعهم اصدقاء وهم يفترشون الارض أمام قسم الدقى ويتناولون وجبة الافطار على رصيف القسم حيث كان علاء عبد الفتاح يؤدى فيه الاجراءات الاحترازية الجائرة من المغرب الى الفجر كالقتلة واللصوص ، وذلك بعد اخلاء سبيله ، فأى قسوة وأى مهانة لم يخفف منها سوى هذا الاصرار الجميل لاسرته ومحبيه على افطار على رصيف القسم لشد أزر ابنهم ورفع رأسه..
هو نفس الاصرار الذى عايشناه فى حملة “عاوزه جواب” التى هزت ضمير مصر ، بإصرار ام لم تتوجه الى اعلام اجنبى أو منظمات دولية، واكتفت بالاعتصام على الرصيف امام السجن فى طره وهى ترفع لافتة من كلمتين (عاوزه جواب) بإختصار كل ما تريده كان الاطمئنان على ابنها المغيب ! فكيف يكون شعورها الان عندما تسمع (مدفع الافطار أضرب) وكيف يكون شعور السيدة نجلاء أم حسام مؤنس التى تأخذ ركنا منزويا أثناء الزيارات حتى لايرى الناس دموعها المنهمرة كالنهر وهى تجهش بالبكاء
اصارحكم القول أننى أشعر بالسعادة عندما يتأخر بوست اكرام يوسف اليومى بالدعاء لزياد ولسجناء الامل وكل الجدعان بالحرية وأقول لنفسى حمدا لله ـ لحقت تنتام ساعتين.. لان النوم يجافيها وضناها فى الزنزانة.
ومن أسر أصحاب المقاعد الشاغرة أحيانا ما أتلقى مكالمات عتاب ولا أعرف كيف أرد وانا أدرك عمق مشاعرها بالفقد وأسأل نفسى : كيف يكون شعور زوجة عبد الناصر اسماعيل وابنته وكل اسرته والطعام على المائدة وعبد الناصر غائب وكيف يكون شعور زوجة وابنة وابن وكل اسرة هشام وهيثم ورمضان وعبد المنعم وكمال وجمال ومحمد واحمد ومحمود وخطاب والقصاص وعونى وعلى وسعد وسعيد وجنينة واسراء وماهينور وقل ما شئت من الاسماء ..
كيف يكون شعورهم مع اذان المغرب وبعض منهم خلف القضبان، لا لذنب أقترفوه غير اجتهاد مخلص لصالح الشعب والوطن، ربما لو استمعوا اليها لكان حالنا أفضل بكثير والامن والاستقرار محصنان بالحرية والعدل ، فالتنوع مصدرا للقوة والتعددية تفتح أبواب الاجتهاد والتسلط والاحادية أقصر طريق للمحن والازمات.
كل ذنب أصحاب المقاعد الشاغرة أنهم أبدوا أراء فى مسائل خاصة باولويات الاقتصاد كتفريعة القناة والعاصمة الادارية وقرض الصندوق والديون أو خصخصة وتسليع الخدمات أو فى قضايا العدالة الاجتماعية والحريات السياسية وتعديلات الدستور او سعودة الجزر المصرية أو اعلان الخرطوم الخاص بسد النهضة أو حاولوا تشكيل تحالف انتخابى كتحالف الامل على غرار التحالفات التى شكلتها السلطة وفعلوا كل ذلك فى اطار قانونى دستورى ، أى كل جريمتهم أنهم مارسوا حقوق المواطنة فوجدوا أنفسهم متهمين بمشاركة جماعة ارهابية أهدافها ونشر أخبار كاذبة .
ومع هذا لا استطيع أن امنع نفسى من التفكير أن مصر أحوج ما تكون الان الى أن تتوحد على الابتهالات والمدفع والدعاء والى تصحيح المسار الذى أحتجز بعضا من فكرها ووعيها وضميرها خلف الاسوار ، بينما التحدى الان مطروحا على طريقة نكون او لا نكون !!