قطار الخصخصة يواصل تحركه بتصفية الشركة المصرية للملاحة البحرية
تراجع الشركة وتخسيرها بدأ منذ عام 2000 وتخلصوا من سفنها تحت بند الإحلال والتجديد
مصر تفقد أسطولها التجاري لصالح القطاع الخاص والشركات الأجنبية
الدولة تبيع ملكيتها في الاسطول التجاري الذي أسسه الخديوي اسماعيل وطلعت حرب
الخصخصة مستمرة
الخصخصة وخطة بيع مصر جري الاعداد لها منذ مطلع الثمانينات ودخلت المرحلة الأخطر في التسعينات ثم بعد 2005 وتولي حكومة رجال الأعمال ( حكومة نظيف وجمال مبارك). لم تتوقف خطط البيع بعد ثورة يناير وتواصلت حتي وصلت لصندوق مصر السيادي . وفي موازنة عام 2018 /2019 طرحت الحكومة بيع 23 شركة مملوكة للدولة من بينها ثلاث شركات لتداول الحاويات في الاسكندرية وبورسعيد ودمياط مما يفقد الدولة السيطرة علي قطاع اللوجستيات في النقل البحري.
كما تواكب مع صدور القانون رقم (203) لسنه 1991 بإصدار قانون شركات قطاع الأعمال العام بدأ خطة الفك والتركيب والتجهيز للتصفية حيث حلت الشركة القابضة للنقل البحري محل هيئه القطاع العام للنقل البحري المنشأة بقرار رئيس الجمهورية رقم (431) لسنه 1983 ، وحلت الشركة القابضة للنقل البرى محل هيئة القطاع العام للنقل البرى و النهري المنشأة بقرار رئيس الجمهورية رقم (430) لسنة 1983 و بناء على قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1499 لسنة 2000 تم إدماج الشركة القابضة للنقل البرى في الشركة القابضة للنقل البحري.وقد صدر قرار وزير قطاع الأعمال العام رقم 104 لسنة 2000 بتعديل أسم الشركة بعد الدمج ليكون “الشركة القابضة للنقل البحري والبري” شركة قابضة مساهمة مصرية ( ش.ق.م.م) . وبذلك تم خلط الأنشطة بين النقل البري والنقل البحري بل وتجارة الأخشاب ليضيع التخصص وتبدأ خطة التفكيك والتخسير ووقف الإحلال والتجديد و التمويل لتتراكم الخسائر.
عام 2001 أعد مركز البحوث والاستشارات لقطاع النقل البحري دراسة لتطوير الشركة المصرية للملاحة البحرية لكننا لم نستطيع الاطلاع علي تفاصيل ونتائج هذه الدراسة وما نفذ وما لم ينفذ منها.
تواكب مع هذه الخطوات تآكل الاسطول التجاري المصري المملوك للشركة والشركات الأخري ليتراجع من 171 سفينة حمولتها 1.4 مليون طن عام 2007 إلي 153 سفينة حمولتها 1.6 مليون طن عام 2011 ثم وصلت الي 46 سفينة حمولتها 1.2 مليون طن . لمصلحة من تم تدمير الأسطول التجاري المصري ؟!
شركة لها تاريخ
تعد الشركة المصرية للملاحة البحرية امتدادا لشركة بواخر البوستة الخديوية التى أنشأها الخديوى إسماعيل عام 1873، وكانت تنقل البضائع والبريد والركاب.
وتم بيع هذه الشركة إلى الإنجليز، وفي أوائل القرن العشرين اشتراها أحمد عبود باشا ، ليتم إعادة رفع العلم المصرى علي سفن الشركة بدلا من العلم الإنجليزى، وكانت تملك سفنا باسم الخديوى إسماعيل ومحمد على باشا والفؤادية والملك فؤاد.ثم انتقلت ملكية الشركة الي أحمد عبود باشا إلي أن تم تأميمها عام 1961 وأصبح اسمها ” الشركة المصرية للملاحة البحرية” وقد تم دمج شركة إسكندرية للملاحة البحرية التي تأسست عام 1931 وشركة مصر للملاحة البحرية التي اسسها طلعت حرب ومجموعة بنك مصر عام 1937 إلي الشركة الوطنية الوليدة.
وبصدور قرار الجمعية العمومية للشركة أمس بتصفية الشركة وتعيين اللواء السيد بدر رئيس مجلس الإدارة مصفيا لها، بعد أن وصلت ديونها لأكثر من 800 مليون جنيه يعد نهاية لمشروع وطني اسسه الخديوي الاجنبي وطوره بشوات الثلاثينات لتبيعه الرأسمالية الفاشلة في 2020 وتهدر خبرة 147 سنة إضافة الي فقدان مصر لأسطولها التجاري في ظل واردات تتجاوز قيمتها 66.5 مليار دولار في عام 2018/2019 وصادرات تصل قيمتها إلي 28.4 مليار دولار.لتصبح تجارة مصر الخارجية ونقلها للداخل والخارج معتمدة علي إرادة الشركات الدولية والقطاع الخاص المصري دون الاهتمام بسيطرة الدولة علي اسطول تجاري ودون اهتمام بارتفاع تكلفة النقل والذي ينقل للمستهلك المصري الذي يعيش 32% منه تحت خط الفقر وفقاً لبحث الأسرة بالعينة عن الدخل والانفاق والاستهلاك لعام 2017. بل أنه لو ربطنا بين تصفية الشركة المصرية للملاحة البحرية وطرح شركة إسكندرية لتداول الحاويات للبيع تكون مصر قد فقدت مرتكزات قوتها في النقل البحري بالبحر الأبيض المتوسط. فكل الأمور مترابطة .
تخسير الشركة خلال سنوات
علي مدي سنوات تم وضع خطة لتخريب وتصفية الشركة من خلال بيع سفن الاسطول التجاري وعدم توفير تمويل للصيانة وتعطل العديد من السفن وتراكم ديون الشركة بحيث اصبحت هناك قيود علي حركة الاسطول في العديد من الموانئ العالمية بما شكل قيد اضافي أدي لمضاعفة الخسائر.
عام 2013 نشرت جريدة الوطن في 13 أكتوبر وقائع فساد بالشركة مدعم بالمستندات عن التلاعب في مستندات حمولة بعض السفن ولكن تم غض البصر عن هذه المخالفات لتستمر خطة التخسير تمهيداً للتصفية .
عام 2015 نشرت الصحف أن رئيس الشركة يستغيث بالرئيس السيسي لإنقاذها. ويؤكد: سفننا لا تستطيع مغادرة السواحل بسبب ديونها الخارجية والحجز عليها. وأصبحنا نملك 8 سفن بعد 70 سفينة وأغلبها معطل. وقال : سفن الشركة انخفضت إلى 8 ولا يعمل منهم سوى سفينتان والباقى معطل وليس لدينا أموال لإصلاحها..و”الديّانة” حجزت على أصول الشركة من السفن والسيارات ، نقترض مرتبات العاملين الشهرية واحتياجات التشغيل فى صورة قروض. وإذا لم تتدخل الدولة لإنقاذها سوف تنتهى الشركة خلال عام.
كتب ذلك ونشرته الصحف منذ خمس سنوات ولو كانت هناك نية للحفاظ علي الأسطول التجاري البحري المصري لتم وضع خطة لتعويم الشركة وصيانة السفن المعطلة وسداد المديونية التي لم تكن تتجاوز 100 مليون جنيه عام 2015 ( واعتبارها ثمن كوبري او رصف طريق صغير ).لكن الاصرار علي تخسير الشركة ضاعف الديون لتصل الي 800 مليون وليصبح الحل السهل أمام الحكومة هو تصفية الشركة .
يروى اللواء نبيل لطفى رئيس الشركة لـ”اليوم السابع” أن الشركة أصبحت غير قادرة على دفع مرتبات العاملين الشهرية وتضطر إلى الاقتراض شهريا من الشركة القابضة للنقل البحرى لدفع مرتبات العاملين، بعدما كانت الشركة الأكبر بالشرق الأوسط والشركة المصرية الوحيدة التى تنقل تجارة مصر الخارجية وأحد المصادر الثلاث الرئيسية للعملة الصعبة، وأصبحت سفنها ممنوع عليها مغادرة السواحل المصرية خشية وقوعها تحت أيدى “الديّانة” بعدما تعثرت الشركة عن سداد ديونهم.
وأكد لطفى أن الشركة المصرية للملاحة البحرية كانت تسخدمها الدولة فى نقل احتياجاتها من السلع التموينية واستخدمتها فى نقل المخرون الحربى أثناء حرب الخليج وفى إعادة المصريين من العراق، وفى كل الأزمات كانت تلجأ الدولة إليها باعتبارها الشركة الوطنية، مستطردا: “استغيث بالدولة والرئيس السيسى لانقاذ هذه الشركة الوطنية الوحيدة التى ترفع سفنها العلم المصرى لأنه إذا لم تتدخل الدولة ستنتهى الشركة تماما من الوجود خلال عام على الأكثر.. والشركات الوطنية هى الداعم للدولة وقت الأزمات على عكس الشركات الخاصة”.
وصدق الشاعر حين قال ” لقد أسمعت لو ناديت حيا *** ولكن لا حياة لمن تنادي” وأضاف لطفى أن تراجع الشركة بدأ منذ 15 عاما مع بداية عام 2000، ووصل الأمر إلى الانهيار فى آخر ثلاث سنوات، ولفت رئيس الشركة أن رؤساءها السابقين تخلصوا من سفنها من خلال البيع تحت بند “الإحلال والتجديد”، عن طريق بيعها خردة أو بيعها كسفن لشركات أخرى، لكن الواقع يشير إلى أنه لم يحدث إحلال وتجديد لسفن الشركة، وأصبحت الشركة مُثقلة بالديون، لدرجة أن التأمينات حجزت على سيارات الشركة التى كانت تستخدمها فى نقل احتياجاتها، مستطردا: “من الطريف أن السيارات انتهت رخصها ولم تستطع الشركة تجديدها بسبب حجز التأمينات عليها ونضطر لتأجير سيارات فى احتياجاتنا”.
في إبريل 2015 قام عمال الشركة المصرية للملاحة البحرية، بإرسال خطاب استغاثة إلى المهندس إبراهيم محلب،رئيس مجلس الوزراء في ذلك الوقت، طالبوه خلالها بالتدخل لوقف عملية بيع أصول شركة “الملاحة البحرية”، مستنكرين رفض الشركة القابضة والشركة الوطنية للملاحة البحرية فك الحجز المالي على السفينتين التابعتين للشركة، ما يتسبب في أضرار مالية بالغة يؤثر على صرف الرواتب.ولم يستمع لهم أحد.
حاولت بعض الإدارات المتعاقبة رفع القدرات التنافسية للشركة حيث حصلت علي شهادة السلامة الدولية I.S.M Code لكل من الإدارة وكافة سفن الشركة. كما حصلت علي شهادة الجودة ISO 9001/2000 لكل من الإدارة وكافة سفن الشركة بالإضافة لخدمات الإيجار. كذلك حصلت علي الشهادة الدولية I.S.P.S في يوليو 2004. ورغم ذلك كانت خطة التصفية تتم بعدم توافر اعتمادات للصيانة وتعطل اغلب سفن اسطول الشركة وتراكم الديون علي الشركة بما يحد من عملها علي بعض الخطوط الملاحية.
عام 2015 تقدم اللواء محمد يوسف رئيس “القابضة” للنقل البحرى بخطاب لرئيس الوزراء لتحويل “المصرية للملاحة البحرية” لقطاع أعمال لإنقاذها من الانهيار.. وبرر ذلك وقتها بأن التحول يساهم في سداد ديون الشركة . ولكن لم يكن التحول إلي شركة قطاع أعمال إلا خطوة جديدة علي طريق التجهيز للبيع.ويظل السؤال لماذا لم يستمع المسئولين إلي صرخات ونداءات رؤساء مجلس إدارة الشركة؟!!
وعندما لم تجد استغاثات اللواء نبيل لطفي من يسمعها تقدم باستقالته إلى الشركة القابضة للنقل البحرى والبرى في يوليو 2016، بسبب ديون الشركة المتراكمة منذ سنوات، والحجز الإدارى على سفن الشركة الوطنية بعد تعثرها خلال السنوات الأخيرة. وقال اللواء لطفى إنه حاول إنقاذ الشركة من عثرتها خلال الشهور التى تولى فيها رئاستها، لكنه اصطدم بالحجز الإدارى الواقع على سفن الشركة وعدم قدرتها مغادرة الحدود المصرية، وأنه استطاع إجراء عَمرات لـ4 سفن ، لكن الديون منعته من استكمال مهامه.
لذلك تقدم المهندس هيثم الحريري ، عضو مجلس النواب في ديسمبر 2019، بسؤال عاجل إلى الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، لتوجيهه إلى الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء بشأن «ما جاء في تقرير مراقب الحسابات بخصوص الشركة المصرية للملاحة البحرية، حيث لم يتم اتخاذ أي إجراءات تنفيذية لتنفيذ قرارات الجمعيات العامة غير العادية، ما يمهد إلى تصفية الشركة الوطنية الوحيدة للملاحة المصرية، بسبب قرارات وإجراءات إدارية فاسدة تهدف إلى إهدار المال العام، وخسارة متعمدة للشركة الوطنية المصرية».
وقال النائب في سؤاله، إنه «بلغت صافي خسائر العام 2018 مبلغ 115.5 مليون جنيه مصري إضافة إلى الخسائر المرحلة البالغة 883.65 مليون جنيه مصري وبذلك يبلغ رصيد الخسائر المجمعة حتي 31 ديسمبر 2018 مبلغ 999 مليون جنيه مصري ومن ثم تكون الخسائر المجمعة قد تجاوزت كامل حقوق الملكية ، فضلًا على تحقيق الشركة مجمل خسائر تشغيل بلغت 68.8 مليون جنيه مصري مع تجاوز الالتزامات المتداولة للشركة اصولها المتداولة بمبلغ 896.58 مليون جنيه مصري بالإضافة إلى الارتباطات الرأسمالية الخاصة بعمرات السفن وفقآ لمتطلبات هيئات الإشراف والتي تبلغ 34.2 مليون جنيه مصري».
أضاف «الحريرى»: «في ظل ما انتهي اليه تقرير إعادة هيكلة الشركة المعد بمعرفة شركة المجموعة الاقتصادية للاستشارات المالية الذي انتهي إلى أن أفضل البدائل لاستمرار الشركة وإعادة هيكلتها هو بيع السفن المتقادمة بالشركة وشراء سفينتين مستعملتين بقرض بالدولار الأمريكي مع ضمان المساهمين لسداد الديون المتراكمة على الشركة لاستقرار أعمالها خلال فترة إعادة الهيكلة حيث أقرت الجمعية العامة غير العادية بتاريخ 26 إبريل 2018 الموافقة على استمرارية الشركة في ضوء نص المادة (61) من النظام الأساسي للشركة على أن يتم إعادة مخاطبة السادة المساهمين بشأن ما تضمنته قرارات الجمعية العامة للشركة بجلستها غير العادية المنعقدة بتاريخ 22 أكتوبر 2017».
معروف ان المساهمين في الشركة هم الوطنية للملاحة بنسبة 90% ، والشركة القابضة للنقل البحري والبري بنسبة 8% والإسكندرية للحاويات بنسبة 2%. ولكن لم تنفذ توصية المجموعة الاقتصادية واستمرت خطوات التصفية.
وضاع سؤال المهندس هيثم الحريري وخطة تعويم الشركة كما ضاعت استغاثت اللواء نبيل لطفي لإنقاذ الشركة لأن خطة التصفية كانت قد اقتربت من مرحلتها النهائية والتي اعلنتها الشركة القابضة أمس الأحد .
إن خطة تدمير الشركة الوطنية وتخسيرها يتم علي مدي عشرين سنة .لم تلتفت الدولة لتقارير الأجهزة الرقابية ،ولم تلتفت إلي صرخات بعض رؤساء مجالس ادارة الشركة ، ولا صرخات العاملين ووقفاتهم الاحتجاجية منذ 2013 وحتي 2015 . ولم يجد سؤال النائب هيثم الحريري من يرد عليه باجراءات لأستعادة الشركة وتعويمها.
الخصخصة إهدار لثروات مصر الوطنية ومقومات قوة الدولة المصرية التي تضيع يوماً بعد يوم. فهل يكون قرار تصفية الشركة المصرية للملاحة البحرية صرخة لإعادة النظر في القرار ؟! أم ستلحق المصرية للملاحة البحرية بالقومية للإسمنت؟!
إلهامي الميرغني
2020/2/3