الرئيسية » مقالات » محمد عبدالحليم يكتب: أنا عاوز الدندو

محمد عبدالحليم يكتب: أنا عاوز الدندو

إزيكوا يا حكومة يا ملزقة؟ ايه منعتوا الدندو؟ طيب.

استيقظت على خبر غريب ذات يوم مفاده، قرر جهاز حماية المستهلك ايقاف ومنع ظهور إعلان الدندو، لم يكن منبع دهشتي لهذا القرار هو انني لم ارى أي ايحاءات جنسية تستدعي ايقاف الإعلان، ولكن كان مكمن دهشتي الحقيقي هو وجود جهاز لحماية المستهلك في مصر!

ترى ما وظيفة هذا الجهاز الغريب؟ ومن مخترعه؟ وكيف؟ ولماذا؟ كلها اسئلة كادت تصيبني بالجنون، فقررت ان اقطع الشك باليقين وان ابحث عن هذا الجهاز لعلني أصل لحقيقته.

وبالفعل توصلت إلى الموقع الرسمي “للجهاز الغريب”، وعلمت انه انشئ بموجب القانون رقم 67 لسنة 2006، وهدفه الاساسي هو حماية المستهلك وصون مصالحه، على ان تكون له الشخصية الاعتبارية العامة ويتبع الوزير المختص ويكون مركزه الرئيسي بالقاهرة وله فروع أو مكاتب بالمحافظات.

وان الدستور المصري لسنة 2014 أكد في مادته رقم 27 على اهمية دور حماية المستهلك كحماية الانشطة الاقتصادية بالدولة، والتي نصت على الاتي: يهدف النظام الاقتصادي إلى تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي ورفع مستوى المعيشة وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة والقضاء على الفقر، يلتزم النظام الاقتصادي بمعايير الشفافية والحوكمة ودعم محاور التنافسية وتشجيع الاستثمار والنمو المتوازن جغرافيا وقطاعيا وبيئيا ويمنع الممارسات الاحتكارية مع مراعاة الاتزان المالي والتجاري والنظام الضريبي العادل طبقا لآليات السوق وكفالة الانواع المختلفة للملكية والتوازن بين مصالح الاطراف المختلفة بما يحفظ العاملين ويحمي المستهلك؛ “يحمي المستهلك ” حلوة الجملة دي!

طبعا دا كلام جميل وكلام معقول مقدرش أقول حاجة عنه، زي ما الاستاذة ليلى مراد ما كانت بتقول.

بس لأن أبويا علمني ان مفيش أسهل من الكلام، وخاصة كلام الحكومة، أردت ان أتبين من جدوى “جهازنا الجبار” وألقي نظرة على حالة السوق المصري.

وبالفعل بدأت من سوق السلع الاستراتيجية وتحديدا الحديد والاسمنت، فوجدت ان 3 مصانع فقط يحتكرون إنتاج 90% من حجم إنتاج الحديد في مصر وهم مصانع عز، بشاي، الجارحي، وان 4 شركات أجنبية فقط يسيطرون على 87% من اجمالي إنتاج الاسمنت في السوق المصرية وهم شركات لافرانج الفرنسية وايطالسمنتي الايطالية وسيمور البرتغالية وسيميكس المكسيكية، وان سوق السيارات في مصر تسيطر عليه 12 شركة فقط.

واما عن التركيب الاحتكاري لاسواق الاستيراد في مصر فحدث ولا حرج، فبيانات جهاز الراقبة على الصادرات والواردات “الحكومي” تبين وجود درجة عالية من الاحتكار الخاص في أسواق السلع المستوردة، الأمر الذي يؤثر على عمليات التسعيير والسيطرة على المخزون من تلك السلع.

ناهيك عن التعرض لاطنان المواد الغذائية الفاسدة والمنتهية الصلاحية أو حتى المسرطنة التي يجلبها لنا المستوردون كل عام والتي وصلت تجاراتها لنحو 25 مليار جنيه بحسب بعض التقارير، والمضحك المبكي بهذا الصدد ان الجهات القائمة على شراء اللحوم والمواد الغذائية الاخرى سواء بوزارة الزراعة أو غيرها من الهيئات الحكومية، هي نفسها الهيئات التي تقوم بتحليل عينات هذه الاغذية، يعني الورق ورقنا والدفاتر بتاعتنا!

وبعد ان اتضح لي كل ذلك تساءلت هل كل ما سبق لا يتعلق ب “صون مصالح المستهلك ” وبالتالي يكون في صميم عمل ” الجهاز الفشيخ “؟ وان كان الأمر كذلك، هل انتهى ” الجهاز المعجزة” من كل هذا حتى تفرغ لايقاف إعلان الدندو؟ أم ان المسألة لها بعد “وجودي” آخر يستعصي على العامة من أمثالي ادراكه؟
وفجأة وأنا مستغرق في حل لغز الدندو، قفزت إلى ذاكرتي كلمات إبراهيم زكي – دا واحد صاحبي مسافر السعودية – والتي كان مفادها: يا حليم، مصر دي عبارة عن “دندو” كبير أوي، والناس الكبيرة متشعبطة في حلمة الدندو وشافطين اللبن كله، ومش سايبين للغلابة إلى زينا أي سرسوب لبن.

وبمطابقة كلام ” إبراهيم زكي ” بتقديرات برنامج الأمم المتحدة الانمائي عن مؤشرات توزيع الدخل / الانفاق في مصر، والتي تقرر ان نصيب أفقر 10% من السكان في مصر يحصلون على 4% فقط من الانفاق الكلي، بينما يصل نصيب أغنى 10% من السكان إلى نحو 28% من الانفاق الكلي بالبلاد.

من هنا اكتشفت أخيرا حل لغز “الدندو”، بكل ما يحمله من رمزية من شأنها فتح آفاق التفكير في الظلم المجتمعي، وفي إمكانية تغيير تلك الاوضاع، ومن هنا أيضا لاحت لي مهمتي كأي مواطن له الحق في الحصول على نصيب عادل من “الدندوه القومي”، أستطيع ان ألخص جل مطالبي في الأتي ذكره: أنا عاوز الدندو.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.